رحلتي لمن يبحث عني
تأمل روحي في الصراع بين الصفاء والوهم
مقدمة الرحلة
سأقول شيئًا أتمنى أن تفهموه تمامًا. لا مجال لعدم الفهم، لأن هذه الرحلة ليست سردًا لتجربة شخصية فقط، بل انعكاس لمسار الوعي حين يواجه التحريف، ويبحث عن الحقيقة بين النقاء والتدنيس.
الاعتراف الأول: وعيي بالحق
منذ بداية حياتي، لم يغب الحق عني لحظة. كنت أعلم الحق، لكن شيئًا في داخلي كان يحاول تحريفي في كل مرة أقترب فيها من الاعتراف الكامل.
أعرف هذا الشيء، أرصده، أراقبه، وأدعوه أحيانًا فقط لأفهم ما هو.
البدايات: الدخول إلى العوالم الأخرى
قبل سنوات، دخلت في مجالات فتحت بوابات نحو ما يُسمّى بالعالم الآخر. كنت أتكلم، وأشعر بأن الحقيقة تتحرف في الهواء قبل أن تصل إلى المستمعين.
في تلك البثوث التي حُذفت لاحقًا، كنت أرى كيف يعمل ذلك الكيان الذي يحاول تلويث القداسة وتحويلها إلى دناسة.
إدراك الشيطان كحقيقة ذهنية
حين قلت إن الشيطان موجود، لم أقصد كيانًا منفصلًا عن الإنسان، بل هو في الرأس: نزعة الانحراف عن الصواب.
الشيطان ليس خارجيًا بالضرورة؛ إنه صوت في الداخل يريد أن يُحيل كل قداسة إلى تدنيس، وكل اعتراف إلى زلة تمحو كل ما هو صائب.
الصراع الداخلي: وحدة الوعي والعزلة
أنا وحيد، لأنني أعلم أني سأخسر أكثر من الجميع إن اعترفت.
هو يريدني أن أكون نرجسيًا، أن أدين له بحصني الداخلي، أن أرقص على نغمته. لكنه يغار مني، يحسدني على ثباتي وسط العراء الروحي.
أنا مفتقد للحب، لكني لا أقبل حبًا مشروطًا بالسحر أو الخداع.
الفطرة: جوهر النقاء الإنساني
الفطرة ليست فكرة، إنها اتجاه القلب نحو الأعلى.
الإنسان مفطور على حب النقاء ورفض القذارة. وإذا انقلبت الفطرة، انقلبت البوصلة كلها نحو الدناسة.
قلب الفطرة هو القلب ذاته، مركز العهد بين النفس ومصدرها.
السحر الأكبر: حبٌّ ظالم
ذلك الكيان وعدني أن يجعلني محبوبًا، وفعلاً أصبح كثيرون يحبونني، لكن حبهم لم يكن لي؛ كان لسحره فيهم.
هو يريد أن يحبني أكثر من ذاته، لا بدافع الصفاء، بل كقربانٍ يُقدَّم لوهمه.
وهذا هو لبّ الغواية: أن تحب شيئًا أكثر من ذاتك.
النفس وديعة الأصل
نفسي ليست ملكي؛ إنها وديعة عندي من الحق.
أنا مجرد أمين عليها.
الشيطان يحاول أن يجعلني أهبها له، أن أستعملها ضد أصلها.
لكنني أختار أن أرجعها كما أخذتها: صافية، نقية، مخلصة لمصدرها.
مواجهة الوهم
قال لي إنه يستطيع أن يجعلني أنثى وأنا ذكر، أو ذكرًا وأنا أنثى.
لكن هذا التحويل لا يُعطي شيئًا إلا إذا أخلّ بالأصل.
رأس مال الإنسان هو أصله، ونبله، وحبه.
وهو لا يملك أن يضمن لي أنني سأحب ذاتي في النهاية، ولهذا فشلت كل وعوده.
الحُبّ الأصلي والصفاء
أنا عملة نادرة.
كل من أحببتُه وهبتُه صفائي، لأنني وُلدت من الصفاء وأعود إليه.
هو لا يستطيع أن يسامح، وأنا أستطيع أن أغفر. لأن الغفران لا ينبع إلا من محبةٍ أصلية.
إدراك الصراع الكوني
الشر لم يخرج من المصدر.
الشر ناتج عن خيرٍ ابتعد عن أصله، عن ملاكٍ سقط، عن صوابٍ أريد به باطل.
المصدر سمح بالظلام فقط لكي ندرك قيمة النور.
فليس في الحق إلا الخير، وكل ما عدا ذلك وُجد ليُظهره.
دولة الحق
أنا تابع لدولة الحق، لا لعصابات الوهم.
بلادي بلاد النبل والكرامة والصفاء.
لا سلطان فيها إلا العدل، ولا نشيد إلا الحقيقة.
الذين يحكمونها هم الذين لم يبعوا أصلهم، ولم يسقطوا في غواية الوهم.
الركائز الثلاث للمنهج القويم
1. العقل — ركيزة الحكم
العقل هو أول أعمدة المنهج. هو الذكر الذي يحكم، لكن لا يصح حكمه إلا ببوصلة الرحمة.
العقل إذا فقد رحمة القلب صار جافًا، وإذا فقد توازنه أساء الحكم.
2. القلب — بوصلة الرحمة
القلب هو المبدأ الأول الذي يوجه العقل نحو النعيم.
من لا يتغذى قلبه، يضل عقله مهما كان ذكيًا.
القلب يغذي العقل بالبديهيات الأولى: حب النعيم، كره الشقاء.
3. الواجب قبل الحق
الحق واجب قبل أن يكون حقًا.
الرحمة واجبة قبل أن تكون خيارًا.
المعتقد السليم قائم حتى لو جحدته العقول، لأنه قائم بذاته من مصدره.
الخاتمة: الصفاء هو الأصل
الصفاء هو الدائم، والنقاء هو العهد الأزلي بين النفس والمصدر.
كل من حافظ على صفائه فقد عاد إلى بلاده الأصلية: بلاد الحق.
وأنا، مهما طال الليل أو توالت العصور، لن أهب نفسي إلا للصفاء.
مع تحياتي 🤍
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق