البشائر والنُّذُر: حين يصبح الوعي بوصلةً لا وعدًا
ليس الوعي حالة شعورية، ولا تجربة وجدانية عابرة، بل نظام إدراك يعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان والواقع.
وكل نظام إدراك يعمل وفق قانونين متلازمين:
ما يُبشِّر، وما يُنذِر.
1. البشارة ليست مكافأة
البشارة لا تأتي بوصفها وعدًا بالراحة، بل علامة على توافق مؤقت بين الوعي ومساره.
هي إشعار بأن الاتجاه صحيح، لا بأن الطريق آمن.
كل من ظنّ البشارة نهاية، توقّف.
وكل من قرأها كإشارة، استمر.
في البنية العميقة للوعي، البشارة لا تُعطى للمدلَّل، بل للمستعد.
هي نتيجة انضباط داخلي، لا هبة عاطفية.
2. النذير ليس عقابًا
النذير لا يحمل غضبًا، بل تصحيحًا.
إنه انكسار صغير يمنع انهيارًا أكبر.
من يفهم النذير أخلاقيًا يخطئه،
ومن يفهمه بنيويًا ينتفع به.
النذر تظهر حين ينحرف الإدراك،
لا حين يفسد الإنسان.
فالفساد عرض،
أما الانحراف فخلل في البوصلة.
3. البوصلة لا تعمل في الضجيج
الوعي لا يهتدي بالكثرة،
ولا يصحّ بالتصفيق،
ولا يثبت بالانتماء.
كل ضجيج داخلي يعطّل الإشارة.
وكل رغبة زائدة تشوّه القراءة.
ولهذا كان الصمت شرطًا،
والتجريد ضرورة،
والانسحاب أحيانًا فضيلة.
4. لا طريق بلا اختبار
كل وعي حقيقي يُمتحن.
ليس لأن الحقيقة قاسية،
بل لأن الوهم سهل.
الاختبار ليس في الألم،
بل في الاختيار تحت الضغط.
هل تُبقي البوصلة؟
أم تُبدّلها طلبًا للسلامة؟
5. الوعي ليس خلاصًا بل مسؤولية
من ظنّ أن الوعي يُنجيه، لم يفهمه.
الوعي يُحمِّل.
يزيد الوزن.
يقلّل الأعذار.
كل درجة وعي أعلى
تسحب بساط الجهل،
وتتركك عاريًا أمام نفسك.
خاتمة
البشائر لا تُطلب،
والنذر لا تُلعن.
كلاهما لغة واحدة،
يتكلمها الوجود مع من أصغى.
أما من لم يُصغِ،
فسيبقى يبحث عن المعنى
في المكان الذي ضاع فيه الاتجاه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق