سفرُ الميزان الخفي
في الذكورة والأنوثة والاستحقاق والنظام
التمهيد
كان الناس أُممًا على رواياتٍ موروثة،
يحسبونها حقائق لأنها تكررت،
ويظنونها يقينًا لأنها أراحتهم.
وما علموا أن الراحة حجاب،
وأن الحق لا يُطَمئِن قبل أن يكشف.
وهذا بيانٌ في القوانين التي تعمل وإن أُنكرت،
وتحكم وإن جُحدت،
ولا يغيّرها رضا الناس ولا سخطهم.
1. في الذكورة المادية
اعلم أن الذكورة نوعان:
ذكورةٌ خاضعة، وذكورةٌ سيّدة.
فالخاضعة هي التي تسير بالشهوة،
وتقوم على الغريزة،
وتحسب السيادة في الإكثار والهيمنة.
تلك ذكورة الجسد لا ذكورة الأصل،
صورتها ذكر،
وحكمها أنثوي،
لأنها لا تقود بل تُقاد،
ولا تختار بل تستجيب.
الفحل الذي عبد شهوته
ظن نفسه سيّدًا،
وما كان إلا أداةً للطبيعة،
تستعمله ليُعيد دورتها،
ثم تطرحه إذا انتهى دوره.
2. في الاستحقاق
ليس كل طالبٍ مستحق،
ولا كل راغبٍ أهلًا للعطاء.
الفراغ لا يُنتج حقًا،
والنقص لا يُنادي بالقيمة.
إنما الاستحقاق لمن امتلأ،
ومن قدر على الحمل،
ومن وُجدت فيه القيمة قبل أن يطلبها.
من طلب بلا قدرة
كان سائلًا،
ومن طلب وهو قادر
كان وارثًا.
3. في الطبيعة
الطبيعة ليست ميزانًا،
ولا حكمةً،
ولا مرجعًا للحق.
الطبيعة حركة بلا قصد،
وتكاثر بلا معنى،
وتكرار لا يعرف النهاية.
ومن عبد قوانينها
سُجِن فيها،
ومن جعلها خادمة للغرض الأعلى
نجا منها.
فلا يُؤخذ الحق من النجوم،
ولا من الدورات،
ولا من الطالع،
لأن من جعل السفلي دليلًا
ضلّ عن العلوي.
4. في الفعل الجنسي
الفعل واحد،
والأثر مختلف.
للذكر كمال مؤقت،
وللأنثى فراغ مولود.
ما كان للرجل نهاية،
كان للمرأة بداية.
ولهذا لا يقف طلب الأنوثة عند الفعل،
بل يتجاوزه إلى الأمان،
ثم الاستمرار،
ثم النسل.
فالولد كمالٌ مؤجل،
وربطٌ لا ينقطع،
وبه تُكمِل الأنوثة دورتها في الزمان.
5. في الذكورة الروحية
الذكورة الروحية لا تُقاس بالجسد،
ولا تُعرَف بالصوت،
ولا تُثبت بالهيمنة.
هي ولاءٌ للحقيقة،
ولو خالفت الطبيعة،
ونُصرةٌ للمبدأ،
ولو كان صاحبه بعيدًا.
هي القدرة على الوقوف بلا سندٍ حسي،
والثبات بلا شهود،
والاختيار بلا إغراء.
من تحرر من قانون الطبيعة
ملك نفسه،
ومن ملك نفسه
استقام له الأمر.
6. في النظام والسلطة
لا تقوم الأنظمة بالرقابة،
ولا تُصان الدول بالكاميرات.
كل قانونٍ بلا فضيلة
يُخرِّج محتالًا،
وكل رقابةٍ بلا وعي
تُعلِّم كيف يُسرَق في الخفاء.
السلطة لا تُعطى لمن يُطالِب،
بل لمن يَحتمِل.
ومن لم يتعلّم الطاعة للحق
لم يصلح أن يُحمَل الأمانة.
الخاتمة
هذه القوانين لا تطلب تصديقًا،
لأنها تعمل سواء أُقِرّت أو أُنكرت.
ومن وجد في نفسه ضيقًا منها،
فذلك لأن الميزان قد مَسَّ موضع الوهم.
والحق لا يُجامِل،
ولا يتشكل على هوى الناس،
بل يبقى كما هو…
ثابتًا، باردًا، وحاسمًا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق