جوهر الحق: في ماهية الذكورة والأنوثة وسلطة التعريف
1. المبدأ الأساسي: الاسترخاء الحقيقي كثمرة للتركيز العميق
إن فهم العلاقة الصحيحة بين التركيز والاسترخاء ليس مجرد رفاهية فكرية، بل هو حجر الزاوية الذي يهدم صروح "المدارس الكاذبة" المعاصرة. وهنا نقهرُ كل هذه المدارس بقهرٍ عظيم يستحقونه، إذ يروجون لوهم الاسترخاء السطحي، المنفصل عن أي قوام أو ركيزة، ويقدمونه كسلعة يمكن تحقيقها بالرخاوة والتشتت، وهو ما يتعارض مع قوانين الحقيقة الراسخة.
فالحقيقة أن "لا يمكن تحقيق الاسترخاء إلا بالتركيز". فالاسترخاء ليس حالة من الفراغ أو نقيضاً للتركيز، بل هو النتيجة الحتمية والدليل المادي على جودة ذلك التركيز. فالحقيقة أن "الاسترخاء الذي يحصل بعد التركيز هو في الحقيقة فعل التركيز المطلوب في الانسان". فعندما يركز الإنسان على حكمة أو مبدأ ثابت، فإن أثر هذه الحكمة يتجلى في الظاهر على هيئة رخاء وطمأنينة. فالاسترخاء الحقيقي ما هو إلا انعكاس لتركيز حقيقي على الحقيقة.
يمكن تلخيص الفارق الجوهري بين المفهومين في الجدول التالي:
الاسترخاء الحقيقي (المنبثق عن الحق) | الاسترخاء الزائف (الذي تروج له المدارس الكاذبة) |
ينبع من تركيز جيد على حقيقة أو مبدأ. | يمكن تحقيقه بدون تركيز، وهو مجرد رخاوة. |
دليل على وجود ركيزة وقيم وثوابت. | فراغ من أي معنى أو قوام حقيقي. |
أثره دائم ومستقر. | أثره مؤقت ووهمي، كالبالون الذي سينفجر. |
هذا المبدأ الكوني لا يقتصر على الحالة النفسية للفرد، بل يمتد ليحكم أعمق العلاقات في الوجود، وعلى رأسها العلاقة الأصيلة بين الذكورة والأنوثة.
2. القياس الروحي: الأنوثة الجيدة كدالة على الذكورة الحقة
إن القانون الذي يحكم علاقة التركيز بالاسترخاء ليس مجرد مفهوم نفسي، بل هو قانون كوني ينطبق بصرامة على الثنائية الجوهرية للذكورة والأنوثة. فالرخاء الحقيقي لا يقوم إلا على شدة حقيقية، والأنوثة المكتملة لا تتجلى إلا بوجود ذكورة حقة ترتكز عليها.
وهنا يتجلى قياسٌ روحيٌ دقيق، وهو أن "الانوثة الجيدة داله على الذكوره الجيدة وليس العكس". هذا يعني أن الأنوثة، التي تمثل حالة الرخاء والتجلي الظاهري، هي دالة ومعيار للحالة الذكورية الباطنية، التي تمثل التركيز والشدة والمبدأ. فالأنوثة هي "حركة ظاهرية موافقة للحركة الجوهرية التي هي الذكورة"، وكما أن "الصفة تتبع الموصوف"، فإن جودة الأنوثة تتبع جودة الذكورة التي انبثقت عنها.
يمكن تلخيص هذه العلاقة السببية في النقاط التالية:
- التركيز الجيد ينتج استرخاءً حقيقياً.
- الذكورة الحقة (الشدة والمبدأ) تنتج أنوثة جيدة (الرخاء الحقيقي).
- الأنوثة المعنوية هي انعكاس لمعنى الذكر.
وإذا كانت الأنوثة في جوهرها انعكاساً ودالة، فإن هذا يطرح سؤالاً مصيرياً: ما هي طبيعتها الحقيقية، ومن يملك السلطة لتعريفها؟
3. طبيعة الأنوثة وسلطة تعريفها
إن الخوض في تعريف الأنوثة ليس مجرد نقاش فكري، بل هو المعركة الفاصلة بين مدرسة الحق والمدارس الدجالية المعاصرة. فمن يملك سلطة التعريف يملك سلطة توجيه الوجود، وهنا يكمن جوهر الصراع الفكري الراهن.
3.1. فراغ الأنوثة وحاجتها للمعنى
إن المفهوم الجذري الذي يجب الانطلاق منه هو أن "الأنوثة فارغة من المعارف والتعريفات". هذا الفراغ ليس نقصاً أو عيباً، بل هو طبيعتها الأصيلة القابلة للملء والتشكيل. إنها صفحة بيضاء تنتظر من يخط عليها المعنى. والذكر الحق، المتصل بمبدأ ثابت، هو الوحيد الذي "يستطيع ان يرى المعنى من كل هذا الفراغ" ويمنحها قوامها الحقيقي.
3.2. سلطة التعريف الحصرية للذكورة الروحية
بناءً على طبيعتها القابلة للملء، فإن الأنثى لا تستطيع تعريف نفسها، كما لا يحق "للذكر الرخو" المنفصل عن المبدأ أن يعرفها، لأنه لا يعرف سوى سفالته. لذا، "فلا يعرف الانوثه سوى ذكر حق".
وهنا يتكشف "المشروع الدجالي" المعاصر في أبشع صوره، حيث يمنح كل فرد حق تعريف نفسه، ليصبح الإحساس هو المرجع الأوحد. ينتج عن ذلك فوضى عارمة وجهلاً مركباً، تجسده صورة "انسان يقول انا كلب لكن يصدر صوت القط". هذا الحق المزعوم هو خروجٌ عن العقل، وحالته لا تُعرف إلا بالجنون. فالحقيقة الراسخة هي أن "الذكورة الروحية هي الوحيدة القادرة على التعريف السليم الحقيقي"، لأنها تمثل الامتداد إلى الحقيقة والمبدأ الأول.
3.3. حقيقة الأنوثة: مغلوبة على أمرها وتحتاج إلى التقليم
في جوهرها المجرد، وبعيداً عن "المقتنيات القشوريه الحضارية"، فإن الأنثى "مغلوب على امرها". هذه ليست مسبة، بل هي حقيقتها التي لا يراها إلا أولو الألباب. فالأنوثة هي النفس، والنفس بطبيعتها "مغلوبة على أمرها"، وأساسها "انانية تحتاج الى التقليم". هذا هو تشخيصها الروحي العميق.
إنها تتطلب التوجيه والتصويب والتصحيح المستمر، لأنها تمثل "طور المعالجة"، وهذا الطور بطبيعته "لا يحتمل مسؤولية القرار". إن فهم هذه الحقيقة ليس انتقاصاً، بل هو الخطوة الأولى نحو الإيمان الحقيقي والتعامل مع النفس وفق طبيعتها التي فُطرت عليها.
4. سبيل الحقيقة والإيمان: بين الخداع الشيطاني والإرشاد الحق
إن الطريق إلى الحقيقة بالنسبة للأنوثة محفوف بالأوهام والمخاطر، ويكمن الاختبار الأعظم في قدرتها على التمييز بين المرشد الحق الذي يقدم لها الحقيقة الدائمة، والمخادع الذي يغويها بلطف مؤقت ليسلبها جوهرها.
توضح استعارة "اللص وصاحب الدار" هذا الفارق الجوهري ببراعة:
اللص (مصدر الشرور المؤقت) | صاحب الدار (المعرف الحق) |
يعاملها بلطف مؤقت ومخادع "لكي يسرقها". | يعاملها بالحق والشدة، وهي المعاملة التي تمثل "استحقاقها الحقيقي". |
يغذي الوهم ويقدم وعوداً زائفة. | يقدم الحقيقة الثابتة التي "لا تتزعزع". |
يوصف بأنه "قاطف للورود" لا يزرعها. | هو الحكيم الذي يحكم ويرحم نفسه (والنفس هي الأنوثة). |
إن إيمان الأنثى يتطلب جهداً خاصاً بسبب ما يمكن وصفه بـ "الإلحاد الفطري". هذه ليست إهانة، بل هي "تحقيق روحي" لطبيعتها. إن "البراغماتية والنفعية" المتأصلة فيها تجعلها تركز على الظاهر والمصلحة العاجلة، مما يمنعها من رؤية "اللوحة الكاملة". لذلك، فإن إيمانها لا يمكن أن يتحقق إلا بالثقة المطلقة في "الذاكر" (المبدأ الذكوري) الذي يربطها بالحقيقة الكاملة.
إن الثقة هي شرط لا غنى عنه في هذه المسيرة الروحية. فالحقيقة هي أننا "لا نتحرك الا مع الذين يثقون فينا". فبدون هذه الثقة، تظل النفس عالقة في دوامة الشك والوهم، بعيدة عن الطمأنينة الحقيقية.
5. خاتمة: ركيزة الحق التي لا تتزعزع
خلاصة القول، إن الرخاء الحقيقي، المتمثل في الأنوثة المكتملة، لا يمكن أن يقوم إلا على أساس متين: "ذاكرة سليمة وماضٍ سليم"، وتركيز جيد، وركيزة حقيقية منبثقة من الذكورة الحقة. فالحق أن "ليس منا من ليس له ركيزة حقيقية"؛ أي ليس منا من ليس له مبدأ وقيم وثوابت يرتكز عليها، و"ليس منا من ما عندوش حصن" يحتمي به.
إن الكلمات والحجج التي قُدمت في هذا المقال هي "قذائف" موجهة بدقة لهدم أبنية الباطل والأوهام المعاصرة. أما أهل الحق والإيمان، الذين يملكون بصيرة وركيزة، فهم يعلمون دقة مقصدها، فلا تمسهم، بل تثبتهم وتزيدهم يقيناً. فالغاية النهائية هي الطمأنينة، ولا طمأنينة إلا بالاتصال بالحق الأزلي.
"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
.png)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق