البروباغندات الاعلامية وتأثيرها على الفرد
شهدنا في السنوات الأخيرة زخما إعلاميا على المستوى العالمي والدولي، فنجد أن الأخبار تتدفق باستمرار طول الوقت وما إن ينتهي تصدر خبر حتى يحل محله خبر آخر، وما إن تنتهي أزمة حتى تخلق بدلها أزمة أخرى، حتى صارت هذه الأخبار شغل الفرد الشاغل الذي افقده احساسه بنفسه والواقع، فأصبحت حياته مرسومة ضمن واقع وهمي مبني على الأخبار والحقائق الزائفة التي تصل إليه.
هدف الدعايات الاعلامية الأساسي هو نشر رسائل ومعلومات غالبها مغلوطة غايتها التأثير على المتلقي، وبالتالي فهي تقوم بحبس الفرد في دائرة واحدة تسلبه إرادته وتلغي قيمته الفردية وتبعده عن الحقائق وتجعل الجماعة طاغية عليه، فيصبح عبدا مقيدا بها؛ لأن هذا الانحلال الإعلامي والسياسي والاجتماعي يمنع من الوصول إلى الحقائق والإجابات التي نبحث عنها، ويدخل الفرد في حالة من تآكل للوقت وطحنه، حيث تدور عجلة الزمان بدون فائدة وتجعله في حالة انتظار متواصلة كأن ينتظر حلول الليل وفي الليل ينتظر حلول الصباح وهكذا في دائرة تكرارية لا متناهية لا يستطيع الخروج منها إلا عندما ينزوي ويخرج من سجن البروباغندات.
الانزواء أهم خطوات الاستيقاظ والتحرر
من يريد الوصول إلى خلاصه عليه بالانزواء بنفسه فهذه أول خطوة له في الطريق ، وهذا الانزواء لا يعني الانعزال التام عن الخارج بل يُقصد به الانزواء الداخلي أو الخلوة الذاتية، بحيث يهتم الفرد بشؤونه فقط ويترك شؤون الآخرين لهم، وقد يحقق الفرد انزواءً خارجيا إلا أنه يبقى داخليا متعلقا ومرتبطا، وهذا يعرقل مسيرته ويجعله مقيدا، لأن التعلقات بالخارج كالمجتمع والإعلام وحتى الأسرة تشكل حولك قشور وطبقات تمنعك من الوصول إلى ذاتك وكلما حاولت التخلص منها ومن الأحكام المسبقة زادوك أحكاما وقيودا جديدة، حتى تعود إلى المجتمع ودين الآباء خائبا منكسرا وهذا هو الهدف، لهذا عليك أن تقطع وتفصل داخلك عن الخارج في البداية حتى تستطيع البدء في مسارك ولما تصل إلى خلاصك يمكنك أن تعود لتخلص الآخرين وتهتم بشؤون الخارج، فالذي لا يستطيع النجاة بنفسه لا يمكنه تقديم يد المساعدة للآخرين لأنه بذاته مازال غارقا.
نجد مقولة أن السالك لطريق العلم والفلسفة والروحانيات يعود مجنونا فاقدا لعقله، وهذا الأمر عائد لنقطة انطلاقه وسلوكه الطريق الخاطئ للبحث عن ذاته، حيث لم يحرر نفسه في البداية من القيود والقشور وبقي مرتبطا داخليا بالخارج، فالبحث عن الذات يبدأ بالانزواء وفك التعلقات أولا وإلا انقلبت الأمور ضدك وأوصلتك إلى نتائج سلبية، لهذا يُظن خطأ أن الباحث عن الذات يتبع طريق الظلال والجنون، والسبب في ذلك أنه لم يبدأ مساره على أسس صحيحة.
خلاصك يبدأ باهتمامك بنفسك
هناك مقولة شائعة عند معلمي الوعي والمرشدين الروحانيين تطلب من الساعي في مسار الوعي والاستيقاظ أن يتوقف عن جلد نفسه وإلقاء الأحكام عليها،(إطلع على مقال الوعي بين الفرد و المجتمع) وهذه الطريقة لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع إلا بالتوقف عن جلد الآخر وتركه وشأنه؛ لأن جلدك للآخر ما هو إلا جلد لنفسك وحكم عليها، وعندما تتوقف عن فعل ذلك ينعكس الأمر عليك، فتحقق بذلك مقولة ارحم ترحم واعتق تعتق.
إن جميع المصائب تأتي من الإنسان الذي يترك دوره ورسالته ويتجه إلى التدخل في دور الآخرين ورسالتهم، ويقوم بدور الناقد الهادم في ثوب المرشد الناصح، وهذا النقد في غالب الأحيان يكون باطلا لأنه ليس ضمن رسالة الناقد، وأغلبه نقد سلبي غير بناء غرضه هدم الآخر واحباطه بدافع الحسد، ومن شدة الاهتمام بشؤون الآخرين والغفلة عن شؤون النفس حصلت فضيلة مزيفة ظاهرها يدعو إلى النصح والاهتمام بالآخر والتفكير في مصلحته وباطنها عكس ذلك، وهذه الفضيلة المزيفة ناتجة عن شخص لم يرحم ولم يحسن إلى نفسه فكيف سيقدم النصح والرحمة لغيره، فلو اهتم كل شخص بشأنه لصلح أمر البشرية.